مكث نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله في مكة المكرمة، مدة ثلاث عشرة سنة تقريباً بعد البعثة المباركة، ثم هاجر بعدها إلى المدينة المنورة، إلى أن استشهد صلى الله عليه وآله مسموماً في مثل هذا اليوم (الثامن والعشرين من صفر).
وخلال هذه السنين الثلاث عشرة، التي لبث فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في مكة، بعد بعثته الشريفة، أحصى المؤرخون عدد الذين دخلوا في الإسلام، فكانوا زهاء مئتي شخص.
» النبي طبّق الإسلام عملياً
أما في المدينة المنورة فقد طبق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الإسلام عملياً، وتوافد الناس إلى الإسلام حتى قال الله تعالى في القرآن الكريم: (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً)(1). فخلال هذه المدة القصيرة التي أمضاها رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة، دخل مئات الألوف من الناس في الإسلام، وحصل كُلُّ ذلك خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة من العمر المبارك للنبي صلى الله عليه وآله، فكيف تحقق مثل هذا الأمر؟
إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله هو أكبر وأفضل شخصيّة خلقها الله تعالى، حتى إن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه عندما سئل (أنت أفضل أم محمدٌ) قال: «أنا عبدٌ من عبيد محمّد»(2).
» قوانين الإسلام أفضل القوانين وأكملها
وإن السنّة أو النظام والأحكام والقوانين التي قرّرها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله للمسلمين، مثلها مثل النبي صلى الله عليه وآله نفسه؛ فهي أفضل وأكمل القوانين والأحكام، ويجب أن تكون كذلك؛ أي يجب أن يكون هناك تناسب وسنخية بين الأصل والفرع، وهذا أمرٌ حاصل.
بيد أنه طيلة حضور نبي الإسلام صلى الله عليه وآله في مكة، بعد البعثة الشريفة، لم تخرج برامجه وتعاليمه وسياساته إلى العلن؛ فأقواله لم تطبق عملياً، وأرضية التطبيق لم تكن مهيَّأة بعد، ولم تتوافر بيده صلى الله عليه وآله أية خيارات؛ حتى يُعلم كيف سيتعامل مع الناس:
- كيف سيتعامل مع أنصاره؟ وأعدائه؟
- كيف سيتصرف بالأموال؟
- كيف سيتصرف في الحرب؟ وبعدها؟
- ما هو النظام أو البرنامج الذي سيعلنه للناس؟
- ما هو البرنامج الملتزم به هو نفسه صلى الله عليه وآله عملياً؟
ولكن اتضح جميع ذلك في المدينة، وهو المنهج نفسه الذي طبقه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، على مدى خمس سنوات أيام حكومته بعد خمس وعشرين سنة مضت على شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله.
اقرأوا سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، لتلحظوا المئات من النماذج، التي لو جُمعت وضُمّت بعضها إلى بعض، فإن أي شخص غير مسلم، حتى لو كان متعصباً - ما لم يكن معانداً- سيتأثر بها، ويعتنق الإسلام.
فإذا ما طُبّق، اليوم أو أيّ يوم آخر، منهج وأحكام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، في بيوتنا، ومحالِّ عملنا، وفي شركاتنا وبلداننا، لتحقّق ما تحقق في العالم قبل ألفٍ وأربعمائة عام، وهو تأويل قول الله عز وجل:(ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً)، وسترون أن ملايين الكفّار سيدخلون في الإسلام[/size]